فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي هذا الاستفهام فضح لهؤلاء المجرمين، واستدعاء لكل ذى نظر أن يشهدهم وهم على موقف الهوان، وفي ثياب الذلة والصغار، وهم كانوا السادة الذين ورمت أنوفهم كبرا، وصعّرت خدودهم تيها وعجبا! وقوله تعالى: {وَلَوْ شئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكنْ حَقَّ الْقَوْلُ منّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ منَ الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعينَ}.
هو ردّ ضمنى على ما طلب المجرمون من أن يعودوا إلى الحياة الدنيا مرة أخرى.
والمعنى: أن الهدى بيد اللّه، وفي قيد مشيئته. وأنه سبحانه لو شاء لهدى الناس جميعا، ولكنه سبحانه جعل للجنة أهلها ولها يعملون، وجعل للنار أهلها ولها يعملون. وأن مما قضى اللّه به في خلقه أن يملأ النار ويعمرها بمن جعلهم من أهلها، من الجنة والناس! وأن هؤلاء المجرمين الذين رأوا مشاهد القيامة، وعاينوا أهوالها، وتمنوا العودة إلى الدنيا، ليستقيموا على طريق الحق والهدى- هؤلاء المجرمون، لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، ولركبوا نفس الطريق الذي كانوا عليه من قبل، ولماتوا على الكفر والضلال، ولكانوا في أصحاب النار، وذلك لأن قضاء اللّه فيهم قد سبق، وأنهم لن يخرجوا عما قضى اللّه فيهم! ويسأل سائل: لما ذا إذن كانت دعوات الرسل؟ ولما ذا إذن كان العمل؟
وكان الإيمان والكفر؟ لم هذا، وقد سبق القضاء، ونزل كل إنسان منزله من الجنة والنار منذ الأزل؟ والجواب على هذا، قد عرضنا له في مبحث خاص من هذا التفسير، تحت عنوان: مشيئة اللّه ومشيئة العباد.
وفي كلمة موجزة نقول: إن للّه قضاء سابقا في خلقه- هذا حقّ. فللجنة أهلها، وللنار أهلها، ولن يتحول إنسان أبدا عما أراد اللّه له. ولكن- مع هذا- فإن هذا القضاء محجوب عن الناس، فلا يدرى أحد أهو من هذا من الفريق أو ذاك، وذلك مما قضت به حكمة اللّه، حتى يظل باب العمل مفتوحا لكل عامل. فهناك طريقان: طريق الإيمان، والهدى، وطريق الكفر والضلال.
والأول موصّل إلى الجنة، والآخر منته إلى النار. والإنسان مخيّر في اختيار أحد الطريقين. هكذا يبدو الأمر في ظاهره، فلا قسر ولا قهر، وإن كان للّه الأمر كله. فمن كان من أهل الجنة، يسّره اللّه لها، ومن كان من أهل النار أخلى اللّه طريقه إليها. وكلّ ميسّر لما خلق له! ولا تسأل بعد هذا: لم اختار اللّه هذا الفريق للجنة، واختار ذاك الفريق للنار؟ إنه خلقهم، لم يشاركه أحد في الخلق، وإنه أقامهم حيث أقامهم، فلا اعتراض على المالك في تصرفه فيما ملك.!.
واللّه سبحانه وتعالى يقول: {هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ فَمنْكُمْ كافرٌ وَمنْكُمْ مُؤْمنٌ وَاللَّهُ بما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ} (2: التغابن).
قوله تعالى: {فَذُوقُوا بما نَسيتُمْ لقاءَ يَوْمكُمْ هذا إنَّا نَسيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْد بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
هو ردّ مباشر على هؤلاء المجرمين، بعد أن تلقوا الرد الضمنى في الآية السابقة، وأنهم من أصحاب النار، ولن يعدل بهم عنها عودتهم إلى الدنيا مرة ومرة ومرات. فليخسئوا، وليذوقوا عذاب السعير. إنهم من أصحاب النار.
وفي قوله تعالى: {بما نَسيتُمْ لقاءَ يَوْمكُمْ هذا} الباء للسببية، أي ذوقوا هذا العذاب بسبب نسيانكم هذا اليوم، وكفركم به! وقد عبّر عن كفرهم، بيوم القيامة بالنسيان، ليكشف عن مدى استخفافهم به، وإخلاء أنفسهم من كل شعور يصل بينهم وبينه.
وقوله تعالى: {إنَّا نَسيناكُمْ} هو على سبيل المجازاة. وأنهم كما استخفّوا بهذا اليوم، فقد استخفّ اللّه بهم، ولم ينظر إليهم بعين الرحمة.
فهم باقون في هذه النار لا يخرجون منها، حتى لكأنهم قد نسوا فيها. كما يقول اللّه سبحانه: {كَذلكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلكَ الْيَوْمَ تُنْسى} (126: طه). اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْت الَّذي وُكّلَ بكُمْ ثُمَّ إلَى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)}.
استئناف ابتدائي جار على طريقة حكاية المقاولات لأن جملة {قل في معنى جواب لقولهم أإذا ضللنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد} [السجدة: 10]؛ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعيد إعلامهم بأنهم مبعوثون بعد الموت.
فالمقصود من الجملة هو قوله: {ثم إلى ربكم ترجعون} إذ هو مناط إنكارهم، وأما إنهم يتوفّاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد من قوله: {الذي وُكّل بكم} فإنه موكل بكل ميت بما يناسب معاملته عند قبض روحه.
وفيه إبطال لجهلهم بأن الموت بيد الله تعالى وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم، وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين.
وذلك إبطال لقولهم {ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا} [الجاثية: 24] فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات.
وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله.
والتوفّي: الإماتة.
وتقدم في قوله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} في سورة الأنعام (60)، وقوله: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} في سورة الأنفال (50).
وملك الموت هو الملك الموكّل بقبض الأرواح وقد ورد ذكره في القرآن مفردًا كما هنا وورد مجموعًا في قوله: {ولو تَرى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} في سورة الأنفال (50)، وقوله: {تَوفّتْه رسُلُنا} في سورة الأنعام (61)، وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مُبلّغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفّي إليه كإسناده إلى الله في قوله: {الله يتوفّى الأنفس} [الزمر: 42]، وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعوانًا له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها الله لها، ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن.
وقيل: إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله: {توفته رسلنا} [الأنعام: 61].
{وَلَوْ تَرَى إذ الْمُجْرمُونَ نَاكسُو رُءُوسهمْ عنْدَ رَبّهمْ}.
أردف ذكر إنكارهم البعث بتصوير حال المنكرين أثر البعث وذلك عند حشرهم إلى الحساب، وجيء في تصوير حالهم بطريقة حذف جواب {لو} حذفًا يرادفه أن تذهب نفس السامع كل مذهب من تصوير فظاعة حالهم وهول موقفهم بين يدي ربهم، وبتوجيه الخطاب إلى غير معيّن لإفادة تناهي حالهم في الظهور حتى لا يختصّ به مخاطب.
والمعنى: لو ترى أيها الرائي لرأيت أمرًا عظيمًا.
و{المجرمون هم الذين قالوا أإذا ضللنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد} [السجدة: 10]، فهو إظهار في مقام الإضمار لقصد التسجيل عليهم بأنهم في قولهم ذلك مُجرمون، أي آتون بجُرم وهو جُرم تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وتعطيل الدليل.
والناكس: الذي يجعل أعلى شيء إلى أسفل، يقال: نكس رأسه، إذا طأطأه لأنه كمن جعل أعلى الشيء إلى أسفل.
ونكْس الرءوس علامة الذلّ والندامة، وذلك مما يُلاقون من التقريع والإهانة.
والعندية عندية السلطة، أي وهم في حكم ربهم لا يستطيعون محيدًا عنه، فشبه ذلك بالكون في مكان مختص بربهم في أنهم لا يفلتون منه.
وجملة {ربنا أبصرنا وسمعنا} إلى آخرها مقول قول محذوف دلّ عليه السياق هو في موضع الحال، أي ناكسو رءوسهم يقولون أو قائلين: أبصرْنا وسمعنا، وهم يقولون ذلك ندامة وإقرارًا بأن ما توعدهم القرآن به حق.
وحذف مفعول {أبصرنا} ومفعول {سمعنا} لدلالة المقام، أي أبصرنا من الدلائل المبصرَة ما يصدّق ما أُخبرنا به فقد رأوا البعث من القبور ورأوا ما يعامل به المكذبون، وسمعنا من أقوال الملائكة ما فيه تصديق الوعيد الذي توعدنا به، أي: فعلمنا أن ما دعانا إليه الرسول هو الحق الذي به النجاة من العذاب فأرجعْنا إلى الدنيا نعمل صالحًا كما قالوا في موطن آخر {ربنا أخّرْنا إلى أجل قريب نُجبْ دعوتك ونتبع الرسل} [إبراهيم: 44].
وقوله: {إنا موقنون} تعليل لتحقيق الوعد بالعمل الصالح بأنهم صاروا موقنين بحقية ما يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم إليه فكانت {إنَّ} مغنية غناء فاء التفريع المفيدة للتعليل، أي ما يمنعنا من تحقيق ما وُعدنا به شك ولا تكذيب، إنَّا أيقنا الآن أن ما دُعينا إليه حق.
فاسم الفاعل في قوله: {موقنون} واقع زمان الحال كما هو أصله.
{وَلَوْ شئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكنْ حَقَّ الْقَوْلُ منّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ منَ الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعينَ (13)}.
اعتراض بين القول المقدر قبل قوله: {ربنا أبصَرْنا وسمعنا} [السجدة: 12] وبين الجواب عنه بقوله: {فذوقوا بما نَسيتم} [السجدة: 14] فالواو التي في صدر الجملة اعتراضية، وهي من قبيل واو الحال.
ومفعول فعل المشيئة محذوف على ما هو الغالب في فعل المشيئة الواقع شرطًا استغناء عن المفعول بما يدل عليه جواب الشرط.
والمعنى: لو شئنا لجبلنا كل نفس على الانسياق إلى الهدى بدون اختيار كما جبلت العجماوات على ما ألهمت إليه من نظام حياة أنواعها فلكانت النفوس غير محتاجة إلى النظر في الهدى وضده، ولا إلى دعوة من الله إلى طريق الهدى، ولكن الله لما أراد أن يَكل إلى نوع الإنسان تعمير هذا العالم، وأن يجعله عنوانًا لعلمه وحكمته، وأن يفضله على جميع الأنواع والأجناس العامرة لهذا العالم؛ اقتضى لتحقيق هذه الحكمة أن يخلق في الإنسان عقلًا يدرك به النفعَ والضرّ، والكمال والنقص، والصلاح والفساد، والتعمير والتخريب، وتنكشف له بالتدبر عواقب الأعمال المشتبهة والمموّهة بحيث يكون له اختيار ما يصدر عنه من أجناس وأنواع الأفعال التي هي في مكنته بإرادة تتوجه إلى الشيء وضده، وخلق فيه من أسباب العمل وآلاته من الجوارح والأعضاء إذا كانت سليمة فكان بذلك مستطيعًا لأن يعمل وأن لا يعمل على وفاق ميله واختياره وكسبه.
وهذا المعنى هو الذي سماه الأشعري بالكسب وبالاستطاعة وتكفل له بإعانته على ما خُلق له من الإدراك يدعوه إلى ما يريده الله منه من الهدى والصلاح في هذا العالم بواسطة رسل من نوعه يبلغون إليه مراد ربهم فطرهم على الصفات الملكية وجعلهم وسائط بينه وبين الناس في إبلاغ مراد ربهم إليهم.
ووعده الناس بالجزاء على فعل الخير وفعل الشر بما فيه باعث على الخير ورادع عن الشر.
وقد أراد الله أن يفضل هذا النوع بأن يجعل منه عُمّارًا لعالم الكمال الخالد عالم الروحانيات فجعل لأهل الكمال الديني مراتب سامية متفاوتة في عالم الخلد على تفاوت نفوسهم في ميدان السبق إلى الكمالات، وجعل أضداد هؤلاء عمّارًا لهُوة النقائص فملأ منهم تلك الهوة المسماة جهنم.
فهذا معنى قوله: {ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين} البالغ من الإيجاز مبلغ الإعجاز، إذ حذف معظم ما أريد بحرف الاستدراك الوارد على قوله: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هُدَاها} فإن مقتضى الاستدراك أن يقدر: ولكنا لم نشأ ذلك بل شئنا أن نخلق الناس مختارين بين طريقي الهدى والضلال، ووضعنا لهم دواعي الرجاء والخوف، وأريناهم وسائل النجاة والارتباك بالشرائع قال تعالى: {وهديناه النجدين} [البلد: 10] أي: الطريقين، وحققنا الأخبار عن الجزاءين بالوعد والوعيد بالجنة وجهنم فلأمْلأنّ جهنم بأهل الضلال من الجنَّة والناس أجمعين، فدخل هذا في قوله تعالى: {حَقّ القول منّي لأملأنّ جهنم من الجنَّة والنَّاس أجْمَعين} بما يشبه دلالة الاقتضاء، وقد أومأ إلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الجنة وخَلَق لها ملأْها وخلق النار وخلق لها ملأْها».
وإنما اختير الاقتصار في المنطوق به الدال على المحذوف على شق مصير أهل الضلال لأنه الأنسب بسياق الاعتراض إثْر كلام أهل الضلالة في يوم الجزاء، ولأنه أظهر في تعلق مضمون جملة الاعتراض بمضمون اقتراحهم، أي لو كان إرجاعهم إلى الدنيا ليعملوا الصالحات مقتضى لحكمتنا لكنا جبلناهم على الهدى في حياتهم الدنيا فكانوا يأتون الصالحات بالقَسر والإلجاء.
فالمراد {القول} ما أوعد الله به أهل الشرك والضلال.
و{الجنَّة} الجنّ وهم الشياطين.
وجعل جمهور المفسرين قوله: {ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هُدَاها} إلى آخره جوابًا موجهًا من قبل الله تعالى إلى المجرمين عن قولهم {ربّنا أبصرنا} [السجدة: 12]. إلخ.
ووجود الواو في أول هذا الكلام ينادي على أنه ليس جوابًا لقول المشركين يومئذ فهم أقل من أن يجعلوا أهلًا لتلقي هذه الحكمة بل حقهم الإعراض عن جوابهم كما جاء في آية سورة المؤمنين (106 108): {قالوا ربنا غَلَبَتْ علينا شقوتُنا وكنّا قومًا ضالّين ربنا أخرجنا منها فإنْ عدنا فإنّا ظالمون قال اخسأوا فيها ولا تُكَلّمون} ولأنه لا يلاقي سؤالهم لأنهم سألوا الرجوع ليعملوا صالحًا ولم يكن كلامهم اعتذارًا عن ضلالهم بأن الله لم يؤتهم الهدى في الحياة الدنيا، وإنما هذا بيان من الله ساقه للرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين ليحيطوا علمًا بدقائق الحكمة الربانية.
وعدل عن الإضافة {حَقَّ القولُ مني} فلم يقل: حقَّ قولي، لأنه أريد الإشارة إلى قول معهود وهو ما في سورة ص (85): {لأملأنّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} أي حق القول المعهود.
واجتلبت {من} الابتدائية لتعظيم شأن هذا القول بأنه من الله.
وعدل عن ضمير العظمة إلى ضمير النفس لإفادة الانفراد بالتصرف ولأنه الأصل، مع ما في هذا الاختلاف من التفنن.
{فَذُوقُوا بمَا نَسيتُمْ لقَاءَ يَوْمكُمْ هَذَا إنَّا نَسينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْد بمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}.
هذا جواب عن قولهم {ربنا أبصرْنَا وسمعنا} [السجدة: 12] الذي هو إقرار بصدق ما كانوا يكذّبون به، المؤذن به قولهم {ربّنا أبصَرْنا وسمعنا} فالفاء لتفريع جواب عن إقرارهم إلزامًا لهم بموجب إقرارهم، أي فيتفرع على اعترافكم بحقية ما كان الرسول يدعوكم إليه أن يلحقكم عذاب النار.
ومجيء التفريع من المتكلم على ما هو من كلام المخاطب فيه إلزام بالحجة كالفاءات في قوله تعالى: {قال فاخرج منها فإنك رجيم} [الحجر: 34] وقوله: {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغْوينَّهم أجمعين} [ص: 79 82]، وقوله: {فالحقَّ والحقَّ أقول لأملأنّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص: 84 85]؛ فهذه خمس فاءات كل فاء منها هي تفريع من المتكلم بها على كلام غيره.
وقد تقدم ذلك في العطف بالواو عند قوله تعالى: {قال ومن ذريتي} في سورة (البقرة 124) واستعمال الذوق بمعنى مطلق الإحساس مجاز مرسل تقدم عند قوله تعالى: {ليَذوق وبالَ أمره} في سورة العقود (95).
ومفعول {ذوقوا} محذوف دل عليه السياق، أي فذوقوا ما أنتم فيه مما دعاكم إلى أن تسألوا الرجوع إلى الدنيا.
والنسيان الأول: الإهمال والإضاعة، وتقدم في قوله تعالى: {فنسي} في سورة طه (88).